تغير المناخ والتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  
تدوين سايمون ثاكر  .
تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخطوط الأمامية من المواجهة مع تغير المناخ.وحسب تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان "اخفضوا الحرارة: لماذا ينبغي تفادي ارتفاع حرارة الأرض 4 درجات مئوية" (البنك الدولي، 2012)، ترتفع درجة حرارة المنطقة ومعدلات الجفاف بها باطراد. وهناك خمس دول عربية من بين البلدان التسعة عشرة التي سجلت ارتفاعات جديدة في درجات الحرارة عام 2010، وهو العام الذي شهد أعلى ارتفاع في درجات الحرارة عالميا منذ بدء تسجيلها في القرن التاسع عشر.
وسيزيد هذا الارتفاع في درجات الحرارة من حدوث الظواهر المناخية المتطرفة.  فقد باتت بلدان المغرب العربي عرضة للجفاف، بينما أدى إعصار فيت، ثاني أقوى إعصار، إلى مقتل 44 شخصا في سلطنة عمان في يونيو/حزيران 2010 كما كبدها خسائر بلغت 700 مليون دولار. وستكون الآثار الأطول أمدا لتغير المناخ أقل درامية لكنها ستكون على القدر نفسه من الحدة وفي منطقة تعاني من أدنى مستوى من المياه العذبة في العالم، يقدر أن يتعرض ما بين 80 إلى 100 مليون شخص فيها لضغوط ناجمة عن شح المياه بحلول عام 2025، مع استخدام موارد المياه الجوفية بوتيرة أسرع مما يمكن أن يعوضه هطول المطر. ومع زيادة أعداد البشر الذين سيتأثرون بتغيرالمناخ، ركزت طائفة من الدراسات الحديثة على التأثير المحتمل لذلك على المرحلة الأولى الرئيسية من التنمية البشرية، أي التعليم.
وتكشف تقارير صادرة عن منظمة إنقاذ الطفولة (2008) واليونيسف (2008) أن الآثار ستتجلى على الأرجح بسرعة أكبر في عرقلة عملية التعليم. وهذا بالفعل هو واقع الحال في المنطقة: إذ تحول فترات الحر الشديد دون ذهاب الأطفال بالفعل إلى المدارس، بالضبط كما تفعل العواصف الرملية الشديدة الأكثر شيوعا، كتلك التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي. وفي بعض المناطق، حيث تعجز الأراضي التي أصبحت صلدة بفعل الجفاف عن امتصاص مياه الأمطار، تتسبب السيول في قطع الطرق مما يحول دون قدرة الطلاب على الوصول إلى المدارس. ولعل السيول التي ضربت اليمن عام 2009 تشهد على ذلك. كما أن انقطاع التيار الكهربائي، الذي يعد واحدا من الآثار الجانبية المحتملة، يمكن أن يضطر المدارس إلى تعطيل أنشطتها، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي الطقس حقيقة إلى تدمير البنية الأساسية.ورغم عدم معرفة الأثر التراكمي لهذه الاضطرابات بشكل جيد على الأداء التعليمي للطلاب، فمن المؤكد أن عدم انتظام الطلاب في الحضور يؤثر سلبا على نتائج التعلم.
وعلى المدى الأطول، يتوقع أن يتكتل تغير المناخ مع عوامل أخرى مربكة مثل ارتفاع معدلات الفقر في المنطقة، ليؤدي إلى تدهور بيئي وما يترتب عليه ذلك من تردي الأحوال المعيشية وزيادة الضغوط على السكان من أجل الهجرة. وتشير البحوث إلى أنه في جميع الحالات يرجح أن تؤثر هذه العوامل بدرجات غير متناسبة على الأطفال، وعلى سلامتهم ورعايتهم وقدرتهم على المشاركة في تعليم جيد ومتكافئ للجميع.
وسيؤثر تغير المناخ على التعليم بطرق أخرى غير مباشرة. فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تغيير النطاق الجغرافي لناقلات المرض مثل البعوض، ومن ثم تعريض فئات جديدة من السكان للأمراض مثل الملاريا وحمى الدنغ التي لم يستعدوا لها. وقد نسبت نوبات تفش لثلاثة أمراض مختلفة، وهي حمى الوادي المتصدع في اليمن والمملكة العربية السعودية، والتهاب السحايا العقيم في جيبوتي، والإصابة بالبكتريا العصوية الناجمة عن التسمم البحري في قطاع غزة، إما إلى درجات حرارة الشتاء الدافئة على غير العادة نتيجة الأنماط الجوية الجديدة من ظاهرة النينيو أو نتيجة الموجات الحارة. وسيؤدي تعطيل الممارسات الزراعية القائمة، وهو أثر آخر من الآثار الثانوية لتغير المناخ، إلى زيادة اتساع نطاق سوء التغذية بسبب ارتفاع أسعار الغذاء. ولكل هذا تأثير مركب على الأطفال ومزعج بوجه خاص من وجهة النظر التعليمية:
... فثمة دليل قوي على أن الأطفال ممن هم في سن المدرسة ويعانون من نقص شديد في البروتين الغذائي، أو الجوع، أو يعانون من نقص في بعض المغذيات الدقيقة في نظامهم الغذائي (لاسيما الحديد واليود أو فيتامين أ) أو الذين يئنون تحت وطأة أمراض مثل الملاريا أو الإسهال أو الديدان، هؤلاء الأطفال يعدمون القدرة على التعلم التي يتمتع بها الأطفال الأصحاء وذوو التغذية السليمة، كما أنهم معرضون أكثر للرسوب أو التسرب مبكرا من التعليم أو للفشل في التعلم بالشكل اللائق بسبب ضعف التركيز، وتدني الحافز وسوء الوظائف الإدراكية. (كرييتي 2008 )
التصدي للتحديات التي تواجه التعليم
الرد الفوري المطلوب يقتضي فهما عاما أفضل لفكرة تغير المناخ، ووعيا بآثاره على المستويين الإقليمي والمحلي، وكلاهما سيسمحان لواضعي السياسات بتحسين أنظمة التعليم المراعية للظروف المناخية، وسيساعدان مجتمعات المدارس على تحسين الاستعداد في حالة الكوارث الناجمة عن أحوال الطقس.
ما تعنيه "أنظمة التعليم المراعية للظروف المناخية" بشكل عملي يشمل، على سبيل المثال، مراجعة البنية الأساسية القائمة لضمان سلامتها إذا وقعت أحداث مناخية خطيرة، ووضع خطة لإدارة مخاطر الكوارث على المدارس. وبالنسبة للمدارس الجديدة، يعني إجراء تقييمات أفضل للمخاطر عند اتخاذ القرارات بشأن موقع إقامة المدرسة واختيار بنى أساسية أكثر ملاءمة ومصممة للصمود أمام الظواهر المناخية الشديدة. وفي الوقت نفسه، سيكون من الممكن أيضا إضافة مواصفات أكثر تكيفا مع المناخ المستجد في المنطقة من خلال أبنية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتعتمد على الإمكانيات الوفيرة من الطاقة الشمسية في المنطقة على سبيل المثال، وتخزن مياه الأمطار لإعادة استعمالها، وهلم جرا. وبهذه الطرق تصبح أنظمة البنية الأساسية التعليمية أكثر قدرة على مجابهة تغير المناخ.
التعليم أيضا هو جزء من الحل
في الوقت الذي يتم بناء قدرة أنظمة التعليم على مجابهة الآثار الناشئة عن تغير المناخ، سيكون من المهم التركيز على الدور الذي يلعبه التعليم نفسه في التكيف مع تغير المناخ. وبالفعل، نصت المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، والتي يطلق عليها برنامج عمل نيو دلهي (2002 - 2012)، على أن التعليم والتدريب والوعي العام جزء لا يتجزأ من الاستجابة لمواجهة تغير المناخ. وقد تجددت هذه الدعوة عام 2012 من خلال برنامج عمل الدوحة القائم على المادة 6 من الميثاق. وفي الوقت الحالي، فإن تغير المناخ يضاف عادة إلى مادة العلوم في المدارس الإعدادية والثانوية- هذا إذا كان يتم تدريسه في مدارس المنطقة أساسا. وهذا هو العرف السائد في جميع أنحاء العالم، رغم أن أستراليا أطلقت أولى المحاولات البارزة لتعميم الموضوع من خلال إدراج وحدات تعليمية عن تغير المناخ في جميع الموضوعات الدراسية ذات الصلة. وذاك تحرك في الاتجاه الصحيح، لكن المطلوب القيام بتحول أوسع نطاقا وأكثر رسوخا في التوجه.
وفي الوقت الحالي، هناك جدل ثري ومتنام حول الدور الذي ينبغي أن يلعبه التعليم في الحقيقة لتشجيع التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ. والسؤال في هذا الإطار هو ما إذا كان ينبغي أن يكون الهدف من البرامج التعليمية هو توعية الناس بانتهاج السلوك اللائق، مثل إعادة تدوير المخلفات، وترشيد الطاقة، أو تخفيض بصمات الكربون الفردية، أو بتشجيعهم على تطوير مهاراتهم في مواجهة التغير السريع للمناخ والضبابية التي تكتنفه والتغلب عليها، ومن خلال التفكير النقدي وحل المشاكل، أو بنشر قيم معينة كاحترام الذات، واحترام الآخرين واحترام البيئة. وفي كافة الاحتمالات، سيكون كل هذا المزيج مطلوبا لمواجهة التحديات العديدة المتصلة بتغير المناخ:
...المهمة الأطول أمدا والأكثر تحديا هي تطوير أنظمة التعليم التي تزود الطلاب بالمهارات المطلوبة، والمعرفة والسمات اللازمة للتعامل مع التحديات المستقبلية. وعلى كافة الأوجه، ليس هذا بالشيء الجديد، لكنه يشكل صميم الهدف الأساسي لأجندات التعليم والتنمية. ومع هذا، فإن ما تغير هو طبيعة وإلحاح التحديات القائمة -- على المستويات المحلية والوطنية والعالمية. (بانغاي وبلم، 2009 )
المدهش هو أن هذه القدرات المطلوبة تتداخل بأشكال مختلفة ومهمة مع "مهارات القرن 21" التي يروج لها الكثير من المتخصصين كمطلب أساسي للشباب العربي للتأهل لسوق العمل والحياة العملية. وعلى مدى عشرين عاما على الأقل، روج البنك الدولي من خلال مبادراته القطرية والإقليمية لهذه المهارات في الإطار الأوسع للارتقاء بجودة التعليم.
لقد تكيفت المجتمعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مدى آلاف السنين، بنجاح مع تغير المناخ، وستفعل ذلك مرة أخرى من خلال المهارات والاستراتيجيات الصحيحة.